. 5-نظرية المسؤولية العالمية والدولية للصحافة
قدم الدكتور مختار التهامي، عام 1958، مشروع دستور دولي للصحافة يمثل نظرية جديدة من نظريات الإعلام، يطلق عليها اسم نظرية المسؤولية العالمية، والدولية، مضيفاً بذلك، نظرية خامسة، إلى نظريات الإعلام الأربع، المعروفة وقتها، وهي: نظرية السلطة، والنظرية الليبرالية، ونظرية المسؤولية
الاجتماعية، والنظرية الاشتراكية. وتقوم نظرية المسؤولية العالمية والدولية للصحافة، على مطلب أساسي، وهو أن تخلع الصحافة رداء السلبية عنها، وأن تدخل ميدان المعركة الدولية الكبرى، بين أعداء الإنسانية، وأصدقائها، لكي تلعب الدور الإيجابي، الذي يحتمه عليها الارتباط الوثيق، بين تاريخ الصحافة، وكفاح الشعوب، وتقدمها في مدارج الديموقراطية الحقيقية. وتلقي النظرية على كواهل الأسرة الصحفية العالمية، مسؤولية ضخمة، وتطالبها، باسم شرف المهنة الصحفية، وباسم الإنسانية، وباسم الشعوب التي وثقت فيها، واعتمدت عليها، ألاّ تخون هذه الشعوب، في هذه المرحلة الحرجة، من تاريخ المجتمع الدولي الحديث، بل من تاريخ الجنس البشري، بأجمعه، وأن تتقدم إليها، بالحقيقة كاملة عن الأوضاع والتيارات، التي تسيطر على مجتمعنا الدولي المعاصر، وتتحكم في حياة الملايين ورفاهيتهم وطمأنتهم، دون مجاملة لأحد، أو ضغط من أحـد. وأُطلق على هذا المشروع نظرية المسؤولية العالمية والدولية، وهو ينقسم إلى أربعة أقسام، هي:
أولاً: تصريح صحفي عالمي، إلى جميع شعوب العالم، يدعوها إلى اتخاذ مواقف
إيجابية مشتركة معينة، لتأكيد السلام والرفاهية العالمية، وهذا التصريح
يستمد وجوده، من دراسة الحقائق السياسية والاقتصادية والنفسية الدولية
المعاصرة.
ثانياً: ميثاق شرف دولي، يرتبط به الصحفيون أنفسهم، ويستقي مواده، من هدي التصريح سالف الذكر، ومن هدي البحث الذي قدمه.
ثالثاً: مشروع اتفاقية دولية، ترتبط بها حكومات العالم، لتأمين حرية الصحافة.
رابعاً: مجموعة من التوصيات مقدمة، إلى الأمم المتحدة، وفروعها.
6. نظرية صحافة التنمية أو النظرية التنمويـة
لا تزال هذه النظرية عبارة عن مجموعة من الآراء والتوصيات، الملائمة لكافة وسائل الإعلام ووظائفها، في الدول النامية. وتكتسب هذه النظرية وجودها
المستقل عن نظريات الصحافة الأخرى، من اعترافها وقبولها للتنمية، وتأكيدها على هوية الأمة، ووحدتها وتماسكها، ورفضها التبعية والسلطوية المتعسفة.
وصحافة التنمية، كما يعرفها ليونارد سوسمان، هي تركيز الصحفيين الموضوعيين، على أخبار أحدث التطورات، في مجالات التنمية المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى نجاح التنمية الاقتصادية، وتحقيق الوحدة الوطنية، أو هي: "استخدام الحكومة لمنافذ الاتصال، لتحقيق التنمية الاقتصادية
والاجتماعية". وتتطلب صحافة التنمية من الصحف، كما يقول ناريندر اجاروالا، أن تتفحص بعين ناقدة، وتقيم وتكتب، عن مدى ارتباط المشروع التنموي،
بالحاجات المختلفة والقومية، وتتفحص الاختلافات بين الخطة وتطبيقها، والاختلاف، بين آثارها على الناس، في تصريحات المسؤولين، وبين آثارها
الفعلية.
ويلاحظ التناقض بين الاستخدام الحكومي للصحافة، في خدمة التنمية، وبين الدور الرقابي للصحافة؛ ففي ظل السيطرة الحكومية، يتراجع النقد وتتحول
أخبار التنمية، إلى دعامة سياسية للحكومة وقيادتها. ولعل هذا التناقض هو الذي دعى المفكر الإعلامي الإنجليزي، أنتوني سميث، إلى التأكيد على ضرورة
التفرقة، بين صحافة التنمية والاتصال في خدمة التنمية، إلاّ أنه يرى أن المفهومين يتداخلان، في إطار السيطرة الحكومية. وهو ما يؤكده، كالريب راميال، مشيراً إلى تساند مفاهيم "صحافة التنمية"، و"الصحافة الموجهة"، و" الاتصال في خدمة التنمية ".
ووفق النظرية التنموية، تتلخص مهام وسائل الإعلام، في عملية التنمية، في النقاط التاليـة:
• تشكيل اتجاهات الشعب، وتنمية هويته الوطنية.
• مساعدة المواطنين، على إدراك، أن الدولة الجديدة قد قامت بالفعل.
• انتهاج سياسات، تقررها الحكومة، بهدف المساعدة، في تحقيق التنمية الوطنية.
• تشجيع المواطنين، على الثقة بالمؤسسات، والسياسات الحكومية، مما يضفي الشرعية على السلطة السياسية، ويقوى مركزها.
• الإسهام في تحقيق التكامل السياسي والاجتماعي، من خلال بحث الصراعات
السياسية والاجتماعية، وإحباط أصوات التشرذم والتفرقة، والتخفيف من
التناقضات، في القيم والاتجاهات، بين الجماعات المتباينة.
• المساعدة في الاستقرار، والوحدة الوطنية، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الذاتيـة.
• إبراز الإيجابيات، وتجاهل السلبيات، وتقليل حجم النقد إلى أدنى حد.
وصحافة التنمية هي النتيجة الطبيعية للصحافة الثورية، فهي تسعى إلى خلق
أمة جديدة وتنميتها. ويرى بعض الباحثين أن الصحافة الثورية وصحافة
التنمية، من الضرورات الأساسية لقيادة معركة تحرير بلد من البلاد، من
السيطرة الأجنبية، وهما يمثلان مصدر فزع، لمؤيدي الوضع الراهن، والمدافعين
عنه، وهذان النمطان من أنماط الصحافة قد يتسمان، في بعض الأحيان، بالحماس
العاطفي، والابتعاد عن الموضوعية، بل وحتى الميل إلى الجدل العنيف،
والعدوانية.
7. نظرية المشاركة الديموقراطية Participant Democratic
تعد هذه النظرية أحدث إضافة إلى نظريات الصحافة، وأضعفها تحديداً، فهي تفتقر، حتى الآن، إلى وجود حقيقي، في الممارسات المختلفة، للمؤسسات
الإعلامية، فضلاً عن أن بعض سياساتها تتضمنها نظريات الصحافة الأخرى. برزت هذه النظرية من واقع الخبرة العملية، كاتجاه إيجابي، نحو ضرورة وجود
أشكال جديدة، في تنظيم وسائل الإعلام، كما نشأت كذلك، كرد فعل مضاد للطابع التجاري، والاحتكاري لوسائل الإعلام المملوكة، ملكية خاصة، وتوجد هذه
النظرية في المجتمعات الليبرالية المتقدمة، على الرغم من ارتباطها ببعض العناصر، التي تطرحها النظرية التنموية، خاصة ما يتعلق منها بالتأكيد على
أسس المجتمع، والاهتمام بالاتصال الأفقي، بدلاً من الاتصال الرأسي، من أعلى إلى أسفل، والذي يعني سلبية مشاركة المتلقي، في عملية الاتصال، وهو
اتجاه واضح تماماً، في الدول الأوروبية، خاصة دول اسكندنافيا، وبعض الدول الأوروبية الأخرى. ويعبر مصطلح المشاركة الديموقراطية عن معنى التحرر، من الأحزاب السياسية القائمة، والنظام البرلماني الديموقراطي، الذي بدا وكأنه انفصل عن جذوره، وأنه يعوق المشاركة، في الحياة الاجتماعية والسياسية، بدلاً من أن يدعمها.
وتنطوي هذه النظرية على آراء معادية لنظرية المجتمع الجماهيري، الذي يتسم بالتنظيم المعقد، والمركزية الشديدة، الذي فشل في أن يوفر فرصاً حقيقية
للأفراد والأقليات، في التعبير عن اهتماماتها ومشكلاتها. وترى هذه النظرية أن الصحافة الحرة فاشلة، بسبب خضوعها لاعتبارات السوق، التي تفرغها من
محتواها. وترى أن نظرية المسؤولية الاجتماعية غير ملائمة بسبب ارتباطها ببيروقراطية الدولة. وترى أنالتنظيم الذاتي، لوسائل الإعلام، لم يمنع نمو
مؤسسات إعلامية، تمارس سيطرتها، من مراكز قوة في المجتمع. وفشلت وسائل الإعلام، في مهمتها، وهي تلبية الاحتياجات الناشئة من الحياة اليومية للمواطن.
وهكذا فإن الفكرة الأساسية، في نظرية المشاركة الديموقراطية، تكمن في احتياجات ومصالح وآمال جمهور متلق نشط، في مجتمع سياسي، وحق المواطن، في
استخدام وسائل الاتصال، من أجل التفاعل والمشاركة، على نطاق صغير في مجتمعه. ويعتقد مؤيدوها أن وسائل الإعلام، التي تنشأ، في ظل هذه النظرية،
سوف تُعني أكثر بالحياة الاجتماعية، وتخضع لسيطرة مباشرة، من جمهورها، وتقدم فرصاً للمشاركة، على أسس، يحددها مستخدموها، بدلاً من المسيطرين عليها.
وتتلخص المبادئ الأساسية لهذه النظرية، في الأمور التالية:
• إن للمواطن الفرد، ولجماعات الأقليات، حق الوصول إلى وسائل الإعلام، واستخدامها، ولهم كذلك، الحق في أن تخدمهم وسائل الإعلام، طبقاً
للاحتياجات، التي يحددونها هم.
• إن تنظيم وسائل الإعلام، ومحتواها، لا ينبغي أن يكون خاضعاً لسيطرة بيروقراطية حكومية، أو سياسية مركزيـة.
• ينبغي أن توجد وسائل الإعلام، أصلاً، لخدمة جمهورها، وليس من أجل المنظمات، التي تصدر هذه الوسائل، أو المهنيين العاملين بها، أو عملائها،
أو جمهورها.
• إن الجماعات والمنظمات والتجمعات المحلية، ينبغي أن يكون لها وسائلها الإعلامية.
• إن وسائل الإعلام، صغيرة الحجم، التي تتسم بالتفاعل والمشاركة، أفضل من وسائل الإعلام المهنية الضخمة، التي ينساب محتواها، في اتجاه واحد.
• إن الاتصال أهم من أن يترك للمهنيين. ويتمثل الوجود الفعلي لهذه النظرية، في الصحافة السرية، وما أُطلق عليه محطات راديو القراصنة، والتليفزيون اللاسلكي، في التجمعات المحلية ووسائل الإعلام، في التجمعات الريفية، ومنشورات الشوارع، والملصقات السياسية. ويتوقع البعض أن تفتح التطورات التكنولوجية آفاقاً أرحب، أمام هذه النظرية، من خلال إتاحة أجهزة النسخ، بأسعار منخفضة، والوصول إلى مزيد من قنوات الاتصال الإلكترونية، ويتوقع أن يظل تأثير هذه القنوات الجديدة، على أوضاع وسائل الإعلام، القائمة الآن، هامشياً، خلال المستقبل المنظور. نحو نظرية إسلامية
يطرح الدكتور حمدي حسن رؤية إسلامية يناقش، خلالها، الافتراضات الأساسية، للنظريات السابقة، ويؤكد في تلك الرؤية، على الأمور التالية:
أ. إن الثواب والعقاب الإلهي يشكلان الأساس الأخلاقي، للممارسات الاجتماعية، لوسائل الإعلام، أو لغيرها، ولأن المسؤولية الاجتماعية هي مفهوم نسبي، يرتبط بالتقاليد، والأعراف الاجتماعية السائدة، حتى وإن كانت مخالفة للشريعة الإسلامية، فإن هذا المفهوم يكتسب بعداً آخر، في الدولة الإسلامية، يختلف كثيراً عنه في المجتمعات الأخرى، فالمسؤولية الاجتماعية تظل هي الأخرى مرتبطة بالثواب والعقاب الإلهي، الوازع الأساسي للأخلاق الإسلامية، على مستوى الفرد، أو وسائل الإعلام.
ب. إن تحديد الرؤية الإسلامية، لعمل وسائل الإعلام، يعتمد على نفي ما يخالف العقيدة ويلحق الضرر بالمجتمع الإسلامي، أكثر مما يعتمد على إثبات وتحديد كل ما هو صالح.
ج. إن النظرية الإسلامية لا تحدد نمطاً معيناً لملكية وسائل الإعلام، ولا تحدد مصادر، بعينها، لتمويل هذه الوسائل. ولكنها معنية بالتأثيرات
المختلفة، التي قد تمارسها هذه العوامل على أداء وسائل الإعلام للوظائف المنوطة بها، في المجتمع الإسلامي.
ويضيف الدكتور حمدي حسن: " لقد رأينا، من قبل، أن اهتمام النظرية الليبرالية بالربط المحكم، بين حرية وسائل الإعلام، والملكية الخاصة لهذه الوسائل، قد أدَى إلى استبدال سيطرة أصحاب المصالح بالسيطرة الحكومية. وكذلك فإن إصرار النظرية الشيوعية على الملكية العامة لوسائل الإعلام، قد
أدى إلى دكتاتورية حزبية، باعتبار الحزب هو الممثل الوحيد للشعب، وبما أن وسائل الإعلام ملك للشعب؛ فإن الملكية تؤول في النهاية، إلى الحزب، وكذلك فإن حرية الشعب في التعبير عن رأيه، التي تنص عليها الدساتير الشيوعية، تصبح في النهاية، هي حرية الحزب الحاكم، في التعبير عن آرائه ".
فالنظرية الإسلامية، في الإعلام، لا تنبثق من ثنائية القيد والحرية، ولكنها تعتمد كلية، على ثنائية أخرى، وهي: الحلال والحرام. والفارق الأساسي، بين هاتين الثنائيتين، يكمن في سيطرة الضمير الفردي، والمسؤولية الاجتماعية، على العلاقة، بين ما هو مقيد وما هو حر، وارتباط العلاقة بين الحلال والحرام بالثواب والعقاب الإلهي، وفي ظل الثنائية الأخيرة، فإن الحرية تصبح التزاماً