كانت استراتيجيات التواصل الإشهاري حتى الثمانينيات من القرن الماضي تعتمد على ثنائية: مقاولة-مستهلك. وكان لزاما على المستشهرين تطوير هذه الوضعية التواصلية، لأن الإشهار لا يمكن أن يستمر في تجاهل ثقافة المقاولة الإشهارية ومحيطها الخارجي، كما أن الأزمة التي عرفها الإشهار فيما بعد، أي في التسعينيات من القرن ذاته، فسحت المجال أمام المستشهرين لإعادة التفكير في العلاقات القائمة بين المقاولة و مجمل شركائها، لأن الإفراط في إغراء المستهلك يقتل الإغراء ذاته.
إن استراتيجيات التواصل المفتوح[1] الذي دشنته المقاولة في الغرب جعلها تنسج علاقات جديدة مع محيطها. وكذلك تبينت أن الأزمة التي عرفها الإشهار ظاهرة تنضاف إلى تغييرات بنائية:اقتصادية واجتماعية وتواصلية. ويقدم التواصل المفتوح مفهوما جديدا للمقاولة الإشهارية التي أصبحت تعتمد في تصريف الخبر على تواصل داخلي وآخر خارجي هو (محيطها الاجتماعي). إن الصعوبة الأساسية التي تواجهها هذه المقاولة وغيرها في الوقت الراهن ترتبط بالسؤال الخاص بمشروعيتها، كما ترتبط بأهمية معرفة البعد الاجتماعي لأنشطتها. إن رهانها الأساس يمر، إذن، عبر مأسسة التواصل."كما أن تدبير مشروعية تنظيم ما انطلاقا من تقويم مشروعه يمر عبر التحليل الثقافي المكمل للتحليل الاستراتيجي."[2] وهكذا تصبح المقاولة في منظور التواصل المفتوح مكانا للتقاطع بين «الداخل» و«الخارج».إنها فضاء اجتماعي أكثر من كونها نظاما لتبادل السلع والمنتوجات والأخبار.
1- الإشهـار المباشــر
يمثل الإشهار المباشر، راهنا، شكلا من أشكال التواصل المعروف باسم: تواصل خارج الإعلامCommunication Hors Media . ويتطور شيئا فشيئا على حساب الإشهار الكلاسيكي.فإذا كان التسويق المباشر منهجية خاصة بالبيع ، فإن الإشهار هو مجموع الوسائل الضرورية التي يتم توظيفها لإنجاح المبيعات. إنه ،أي الإشهار، «مهمة مرصودة للإخبار عن خصوصيات هذا المنتوج أو ذاك، وتشجيع البيع. وتظل هذه الوظيفة«الموضوعية» في الجوهر، وظيفة الإشهار الأولية.»[3]
إن تطور الإشهار هو بدون شك نتيجة من نتائج التطور السوسيو-اقتصادي، بما في ذلك التقدم الذي عرفه عمل المرأة مثلا، وكذلك تطور وسائل المعلوميات وتقنيات التواصل ووسائل النقل ورغبة المستهلك في إقامة علاقات متميزة مع المنتوج.
وتكمن الأهداف الرئيسة للإشهار المباشر في التعريف بالمنتوجات الجديدة وبعث الثقة في الزبون وإنعاش القدرة الشرائية لديه. «إن الإشهار برمته مرصود لهذه الوظيفة التالية:يستطيع المستهلك أن يقرأ في كل لحظة وكأنه داخل مرآة ألنسبيكل من هو و فيما يرغب-وارضائه في الآن معا.»[4] وينتظم هذا الإشهار من خلال الوسائل أو الأسناد التالية:البيانCatalogue ، والكراس المعد للدعاية التجارية Prospectus، والإعلانات التي ترسل عبر البريد Mailling و عبر حافلات النقل الحضري Bus Mailling. وكذلك البيع بواسطة التلفزيون Tele-Achat. إن كثيرا من هذه التقنيات التي بدأت تقتحم متخيل المستهلك والمتلقي المغربي لا تحقق مبتغاها بسهولة. لأن هذا الأخير ينفر بسرعة من تدفق الوصلات الإشهارية التي تتعبه وتفتر إدراكه. ولهذا بات من ا لضروري اليوم السعي إلى استبدال هذه التقنيات بنوع من الإشهار المباشر الذي يتوفر على مصداقية قوية. ولكي يكون الإشهار المباشر فعالا ينبغي أن يتوسل بتقنيات إعلامية وأخرى ليست إعلامية. إذ بدأنا نشاهد في المغرب وصلات إشهارية تشتغل على المحكي المستلهم من المتخيل المجتمعي والرمزي"لأن مظاهر المحكي المتباينة جدا في الإشهار تسم حياتنا."[5] وأخرى تستند إلى ممثلينDes Comédiens معروفين بحكم ارتباطهم بدراما تلفزيونية عرفت نجاحا جماهيريا[6] وأصبحوا هم العارضين للمنتوج.
2- الإشهار و بناء الفضاء العمومي
تحرر أنماط الاستهلاك النشيطة الفرد من العلاقات الاجتماعية التقليدية،كما أنها تطرح في الآن معا ضرورة تحديد العلاقة بين المحيط الخاص والمحيط العام. ولهذا فإن اقتراح مفهوم جديد للعلاقة بين المحيطين معا ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار«الرابطة الاجتماعية» وتشكيلاتها. وكذلك الأمر نفسه بالنسبة للفضاء العمومي الذي يعرف بكونه العنصر المشترك بين جميع الناس:"… ينبغي أن «تغادر بيتك» لتكون «مع الجمهور» فالفضاء العمومي مقدس، إذن، بصورة مدهشة منذ سيادة إله الشمس من خلال التناسق المنتظم للبنيات والحدائق العمومية."[7]
ونعاين اليوم في الثقافة المغربية مظاهر لزعزعة المنتوج الرمزي التي يتم التعبير عنها من خلال تيمات متنوعة من قبيل: أزمة القيم، أو الاحتماء بموضوع الأخلاق لرفض هذا المنتوج الرمزي أو ذاك. "ثم إن الإشهار لم يعد يملك هذه القوة العجيبة. و لم يعد يملك هذه القوة التي تدمج الجماعة في اللذة اللامنتهية للمستهلك."[8] وكذلك أبان الإشهار في الوقت الراهن أيضا عن عجزه في الدفع بالاستهلاك إلى الأمام، لأن الاستهلاك يرتبط بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع برمته. كما أخفق هذا الإشهار في أداء وظيفته التاريخية المتمثلة في استمالة الرغبة:رغبة المستهلك.
ويبدو، في تقديرنا، أن علم العلامات أو السيميولوجيا أخفقت بدورها في الإجابة عن السؤال التالي:لماذا لم تعد الأساطير تؤدي، اليوم، أية وظيفة ؟ والوظيفة التي ارتآها لها رولان بارت على وجه الخصوص:"لقد علمتنا السيميولوجيا أن الأسطورة تعني تجسيد فكرة تاريخية تجسيدا موضوعيا، وتحويل العارض إلى أبدي."[9].
وإذا تم تغييب هذا السؤال المرتبط بموروثنا الثقافي والرمزي ارتباطا وثيقا، فإن الاستهلاك الرمزي للعلامات الذي تحدث عنه جون بودريار[10] غدا نوعا من الحنين الذي يتقاسمه بعض الإشهاريين، في الغرب، خلال احتفالهم بليلة الإشهار. كما أصبح هذا الاستهلاك نوعا من المعرفة التجريبية اليومية التي لم تعد تحتمل البساطة في التحليل.إن المظهر المعرفي للتجربة يدفعنا إذن إلى الاهتمام بكل الأحداث والظواهر الثقافية والرموز وكل ما ينخرط في اللحظة الآنية. أي كل ما يحتضنه الفضاء العمومي ويدبره. "لقد أقام ماكيافل في ليدسكورسي les Discorsi تمييزا بين فكر القصر وفكر الساحة العمومية.واعتبر هذه الأخيرة في امتدادها الشاسع جدا )أماكن للسلطة الاقتصادية،والسياسية،وحتى الرمزية كذلك(، ومن المؤكد أن تمييزا مثل هذا تمييز قائم باستمرار."[11] .
يضطلع الإشهار بدور رئيس في تطوير الدورات الاستهلاكية التي تغير أحوال المجتمع، ويلعب فضلا عن ذلك دورا اجتماعيا قويا. ومن هنا فإن الظهور التدريجي والحضور الملحوظ للتسويق الاجتماعي le Marketing Social الذي يستعمل الإشهار شيئا فشيئا للدفاع عن بعض القضايا المجتمعية يعد مؤشرا من المؤشرات التي تدل على العودة إلى الفضاء العمومي للإشهار. ذلك أن "الوظيفة الاقتصادية للإشهار تلي وظيفته الاجتماعية بشكل تام."[12].
لقد بدأ الإشهار يكتسح فضاءنا العمومي والمجتمعي بصورة تدريجية، بحيث قدمت التلفزة المغربية بقناتيها الأولى والثانية وصلة إشهاري خاصة ب«خميرة إديال IDEAL»، وهي إرسالية تخاطب النساء دون الرجال، ويهيمن فيها نشاط العلامات اللفظية، أي الكلام على نشاط العلامات البصرية. إذ تبتدئ الإرسالية بصوت خارجي voix-off يعرف بالمنتوج. ويوجه الخطاب إلى نساء ينتمين إلى فئة عمرية واحدة.وتوظف الإرسالية اللقطات المقربة Plans Rapprochéesلتقريبنا من النساء هاته، وهن يعبرن عن رغبتهن في إيجاد مورد مالي لتحسين وضعيتهن الاجتماعية، دون أن تكتسي هذه الللقطات بعدا تأويليا أو رمزيا، وإنما تكتسي بعدا إخباريا. ويقضي قانون المسابقة الخاص بهذا المنتوج، والذي يبث من خلال صوت خارجي أن الفائزات يحصلن على آلة خياطة من النوع الممتاز وعلى أدوات الخياطة وموادها، بالإضافة إلى مساعدة تقنية و مساعدة أخرى في التسويق. وهو نوع من الإشهار الذي ينخرط في تشجيع المبادرة الحرة والفردية.هنا حيث يملك المستفيد، كما يقول جون بودريار، الاختيار الذي يجعله «حرا» في الدخول ضمن حسابات الإنتاج بوصفه قوة منتجة[13].
3- وسائل التواصـل الإشهــاري
ويقصد بها مجموع الآليات التواصلية والإعلامية، وآليات أخرى تستند إلى سنن خارج تقنيات التواصل والإعلام. وكلها أدوات يستعملها البائعون لمخاطبة المستهلكين بهدف تسويق منتوجاتهم والإعلان عن ظهورها في الأسواق، والتعريف بها وتبيان خصائصها. وسنقتصر هنا على آليات هي: الملصق L'Affiche والتلفزيون والسينما باعتبارها أسناد Des Supports قاعدية لتصريف الخبر الإشهاري.
أ-الملصق : ويتكون من ثلاثة أبعاد، ويتشكل من علامات أيقونية ورسومات وخربشات Graffitis، و من علامات لفظية. ويعتبر من أقدم وسائل التواصل الجماهيري التي يتم الولوج إليها مجانا ، لأنه يوجد في متناول معظم المستهلكين.