علم النفس الاجتماعي .
لمحة عن تاريخ علم النفس الاجتماعي .
أول ما ظهر هذا المصطلح في مؤلف منشور كان احد مؤلفات غبريال تارد بعنوان دراسة في علم النفس الاجتماعي وقد كان تارد عالم اجتماع يخلط بين الموضوعية والذاتية ، وقد أقام تفسيره على مفهومين أساسيين هما الإقتداء و العلاقات السيكولوجية . وكان مشروعه هو إقامة علم اجتماع لا يغفل عن الآليات السيكولوجية الملاحظة في وضعيات تبادل العلاقات الاجتماعية ، هذه العلاقات التي هي أساس الإقتداء .
وأول بحث ظهر في سنة 1908 م ، حيث ظهر بحثان أحداهما في أمريكا ، للباحث روس ، الذي اهتم بتطبيق عملي لقوانين الإقتداء . و الثاني في انجلترا، وهو مقدمة ماك دغال الذي وضع نماذج تفسيرية للسلوكات الاجتماعية . لقد ساهمة هذان الكتابان في تقدم علم النفس الاجتماعي .
ومن بين الباحثين الفرنسيين الذين يستحقون الذكر بفضل مساهماتهم النظرية يمكن أن نذكر دور كايم الذي ألف كتاب بعنوان قواعد المنهج في علم الاجتماع و الذي يعتبر مرجعا مفضلا لكل الأبحاث المنهجية في ميدان العلوم الاجتماعية ، وهناك كذلك مارسيل موس حيث تتلخص رسالته إلى جمعية علم النفس الفرنسية يوم 10 جانفي 1924 م . تحت عنوان العلاقات الواقعية و العلمية بين علم النفس وعلم الاجتماع ، تتلخص فكرته في تبين الموضوعات المشتركة بين العلمين .
و في نفس العصر تقريبا كان كورت ليفن يقوم بأبحاث مكنته من أن يترك لعلم النفس الاجتماعي نظاما منهاجيها و مفهوميا ومزال مستعملا إلى هذا اليوم .
موضوع علم النفس الاجتماعي .
إذا ربطنا بين موضوع علم النفس كما حددناه سابقا وموضوع علم الاجتماع ، يمكن القول أن علم النفس الاجتماعي هو الدراسة المنظمة للسلوك الاجتماعي للفرد ، حيث يهتم هذا علم بدراسة سلوك الفرد متأثرا ومؤثرا في سلوك غيره من الأفراد ، يركز اهتمامه على العلاقة بين الفرد والجماعة وبعبارة أخرى يهتم هذا الفرع بدراسة التفاعل الذي يحدث بين الفرد والجماعة .
يهتم علم النفس الاجتماعي بدراسة العمليات المختلفة التي تؤدي إلى اكتساب الفرد أساليب الجماعة السلوكية واتجاهاتها وقيمها .
كما يهتم بدراسة أساليب التفاعل الاجتماعي وديناميكية الجماعات و العوامل المختلفة التي تؤدي إلى زيادة قوة جذب الجماعة لأفرادها وكذلك العوامل المؤدية إلى إضعاف تماسك الجماعة . ويهتم أيضا بدراسة بعض الظواهر الاجتماعية النفسية مثل التغير الاجتماعي و التعصب وسلوك الجماهير و الشائعات وغير ذلك من الظواهر ، ويهتم أيضا بدراسة الزعامة كدور اجتماعي والدعاية كوجه من أوجه النشاط الاجتماعي وبعبارة عامة فهو يهتم بدراسة السلوك الاجتماعي للفرد في الجماعة . (( إن دراسة التفاعل هو موضوع علم النفس الاجتماعي ، و التفاعل هو التأثير المتبادل بين فرد وفرد أو بين جماعة وفرد وبين جماعة وجماعة ، وهذا التفاعل يكون على شكل منبهات واستجابات تتم على شكل دائري تقريبا ، بشكل تصبح الاستجابات نفسها منبهات تؤدي إلى استجابات أخرى قد تختلف نوعا وكما عن المنبهات والاستجابات الأولين ))(1) .
التفاعل الاجتماعي .
نقل مصطفى سويف خريطة حدد فيها التفاعل الاجتماعي وعناصره بدقة فريدة(1).
يعتبر مصطفى سويف أن مجال الدراسة في علم النفس الاجتماعي هو دراسة لمنبهات اجتماعية واستجابات اجتماعية هاته المنبهات والاستجابة تكون مباشرة وغير مباشرة وتكون بالنسبة للمنبهات الاجتماعية بسيطة ومركبة اما بالنسبة للاستجابات الاجتماعية فتدون إما مباشرة شائعة أو شاذة أو غير مباشرة سوية مرضية كل ذلك يسمى بالتفاعل.
من الأمثلة على المنبهات الاجتماعية البسيطة التحية والرد عليها . أو عندما يناديك شخص باسمك أو يطلب منك فعلا بسيطا كأن تتجنب السيارة . و الاستجابة قد تكون شائعة كأن ترد على التحية بمثلها ، أو شاذة كأن تغضب مع أن الموقف لا يتطلب غضبا .
من الأمثلة على المنبهات المباشرة المركبة هو التقاؤنا مع صديق يحدثنا عما جرى له في رحلة أو في حادث أو موقف معين . ما يقوله الشخص يعتبر تنبيهات عديدة مركبة مباشرة
ونرد عليها باستجابات مختلفة بعضها شائع وبعضها شاذ ، فقد نغضب أو ننفعل لمدة أيام وقد نقوم بأفعال معقدة استجابة لما سمعناه من أخبار ، وهذا يعني استجابات مباشرة . وقد يحدث أن نستجيب بصورة غير مباشرة ، كما حدث عندما قال احد المعلمين لتلميذ عنده ، انه لا يفهم ، فغضب التلميذ لكنه لم يبدي شيئا ، وصمم على الدراسة ، حتى حصل على شهادة عالية وصارت معارفه أكثر من معارف أستاذه .
إن استجابته غير مباشرة ، ويمكن أن تسمى استجابة تراكمية لأنها تمت عبر فترة زمنية طويلة .
هذا ويستجيب الأفراد بشكل مرضي أحيانا ، فحرمان الطفل من اللعب يشكل منبهات مرضية تؤدي إلى استجابات مرضية ، غير مباشرة ، كان يصبح الطفل عدوانيا يكسر الأشياء و يعبث بالنظام .
إن الأشخاص المتكيفين هم أشخاص لهم استجابات متكيفة مع المواقف الاجتماعية التي يوجدون فيها ، أي أنهم يستطيعون تحقيق أهدافهم التي تنطوي على حاجاتهم باستعمال قدراتهم ومعارفهم لموجهة الأوضاع التي يوجدون فيها .
وأحيانا يحدث التفاعل مع رموز اجتماعية ، فالضوء الأحمر هو منبه يؤدي إلى استجابة سلوكية عند سائق السيارة هي التوقف عن السير ، الضوء الأحمر رمز شانه شان الزهور المهداة ليست إلا رمزا للتعبير عن الصداقة والمحبة ، منبهات رمزية تؤدي إلى استجابات مباشرة كان يقول المرء : شكرا أو استجابة غير مباشرة كان يعترف المرء بهذا الجميل ويبقى حافظا للود لمدة طويلة من الزمن .
هناك جانب آخر من التفاعل ، وهو ما يطلق عليه : دائرة المنبه ـــ الاستجابة . يقصد بهذا هو أن الاستجابات منبها لاستجابة أخرى على شكل دائري . إذا كنت أسير في الشارع وصدمت شخصا خطا ، فيمكن أن ينطلق شاتما . وشتمه هذا يصبح منبها يستجر غضبي ، الذي بدوره يجعله يغضب مما يؤدي إلى اللجوء إلى العنف .
كل استجابة تصبح منبها سيؤدي إلى استجابة أخرى وهذا ينطبق أيضا على الممثل الذي يمثل على المسرح . فتصفيق الجمهور ، وحماسه أو فتوره وبرودته كلها تترك آثار على الممثل وعلى إنجازه لعمله ، إما ايجابيا أو سلبيا .
يقول المثل : النجاح يؤدي إلى النجاح . فإذا حاول الفرد حل أمرا ما ونجح فيه ( منبه يؤدي إلى استجابة ) فانه سوف يتشجع ويحاول ثانية وفي الغالب سوف ينجح ثانية لان نجاحه الأول يشكل منبها لاستجابة ثانية ، ناجحة .
عوامل الاستجابات.
إن استجابات الأفراد والشعوب للمنبهات المختلفة تضبطها عوامل عديدة . فالأفراد والشعوب لا يستجيبون لنفس المنبهات بنفس الطريقة والدرجة والنوعية . وهذا يعود إلى عوامل كثيرة يمكن حصر معظمها كما يلي :
1. عوامل حضارية ثقافية : إن الحضارة والثقافة لا توجد في الكتب بل في شخصيات الأفراد . فالمسلم المحافظ إذا وجد امرأته سافرة (منبه) قد يقوم بقتلها (استجابة).لكن الأوربي لا يفعل هذا أبدا ، بسبب حضارته وثقافته ومعايير الخير والشر عنده . وكلما قوي اتصال الشعوب مع بعضها وانتشرت وسائط النقل واللقاءات بين الشعوب كلما قويت الاستجابة المشتركة واقترب الناس من بعضهم .
2. العوامل الفردية : توجد اختلافات فردية في الاستجابات يعود بعضها إلى الفروق البيولوجية بين الذكر والأنثى والفروق المكتسبة التي تلاحظ بين فرد و آخر بسبب اختلاف المهنة والتعلم والميول الفردية . نحن لا نستجيب بنفس الطريقة والنوعية للمنبهات المختلفة . فمثلا انقطاع وصول الجرائد الوطنية إلى أكشاك البيع ، توتر المثقف لكنها لا تحرك شيئا عند من لا يهتم بالجرائد وأخبارها .
3. الحاجات والدوافع : عندما نكون جائعين ، نتنبه بقوة إلى رائحة الأطعمة و المطاعم و العكس صحيح عندما نشبع ، وتلهب الحجات و الدوافع أدوارا مختلفة في تقرير استجابتنا السلوكية .
4. العادات والتقاليد : تعرف العادة بأنها الاستعداد المكتسب بالأفعال المتكررة . فالفرد عندما يكرر فعلا ما مرات عديدة ، يكتسب استعداد يدفعه إلى التصرف بحسب بتلك العادة .