العولمة بين الايجابيات والسلبيات
العولمة كلمة غير قديمة، لهذا لا نجد لها تعريفاً في قواميس اللغة أو السياسة أو الاقتصاد، "ولذلك عندما تطرح فكرة العولمة لا يقصد بها مفهوم مجرد فقط، بل يُلتفت إلى عملياتها الأساسية، وهي: المنافسة بين القوى العظمى، والابتكار التكنولوجي، وانتشار عولمة الإنتاج والتبادل الاقتصادي والتحديث.
وفي الحقيقة إن مفهوم العولمة يعيدنا إلى العالَم، أي الكون، وليس إلى العلم، لذلك أطلق بعضهم عبارات تدل عليها: كالنظام العالمي الجديد، والإمبراطورية الجديدة، والقرية الكونية، وكل ذلك يعني شمول هذا التعبير للأمور الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية والاجتماعية، بل وحتى التقاليد والأعراف...
وعلى كل فالعولمة نظام جديد، أو ظاهرة جديدة، فرضها الواقع في أواخر القرن العشرين، لذلك فليست المشكلة في تعريف العولمة، إنما المشكلة في دراسة أهدافها وبدائلها وتحدياتها وكيفية نشوئها، وهل تلغي الهوية الوطنية؟ وهل تؤثر على الأمور القومية؟." (محمد عمر الحاجي، العولمة أم عالمية الشريعة الإسلامية، دمشق، دار المكتبي، ط1، 1420هـ/1999م، ص16 و 19).
والعولمة ترادفها أيضاً كلمة الكوكبة، وهي تعني أيضاً جعل نطاق الشيء وتطبيقه عالمياً. "ولكن هذا المفهوم الموحي بالبراءة لا يلبث أن يكشف عن مخاطر كبيرة تقف وراءها قوى شرسة، ترفع مصالحها فوق كل اعتبار، وتنظر إلى العالم كله على أنه مساحة مفتوحة، أو ينبغي أن تكون مفتوحة أمامها، وتستخدم القوة لفرض تلك المصالح، وما يرافقها ويتمخض عنها من تهديد على الآخرين، ولحماية ما تسفر عنه مما يحقق أهدافها، وهي بذلك تضفي هيمنتها الشاملة على عصرنا الحاضر." (علي عقلة عرسان، العولمة والثقافة، مجلة الفكر السياسي، دمشق، العددان (4-5)، شتاء 1998/1999م، ص216).
ومن أبرز أنواع العولمة نوعان هما:
1_ عولمة الإعلام والثقافة والاتصالات: "وهي تهدف إلى التعظيم المتسارع والمستمر في قدرات وسائل الإعلام على تجاوز الحدود بين الدول، والتأثير في المتلقين الذين ينتمون إلى ثقافات متباينة، وذلك لدعم عملية توحيد ودمج أسواق العالم من ناحية، وتحقيق مكاسب للأطراف المهيمنة على صناعة الإعلام والاتصال من ناحية ثانية." (محمد عمر الحاجي، العولمة أم عالمية الشريعة الإسلامية، (مرجع سابق)، ص20).
2_ عولمة الاقتصاد: لها فوائدها ومضارها، فمن فوائدها أنها تخلق مكاسب جديدة في الرفاهية والتقدم، وتخلق أيضاً المنافسة والسعي نحو تحقيق الجودة في العمل والإنتاج، إلا أن من أضرارها الكبيرة أيضاً أنها تهمِّش الدول النامية، وتزيدها فقراً على فقر، وفساداً فوق فسادها الداخلي، والاتجاهات الراهنة لعملية العولمة تشير بشكل واضح أن هذه الظاهرة ليست في صالح الدول النامية، التي ستصير سوقاً استهلاكية للدول المتقدمة. (انظر: محمد عمر الحاجي، العولمة أم عالمية الشريعة الإسلامية، (مرجع سابق)، ص25- 26).
ويرى كثير من الباحثين أن العولمة الاقتصادية شر كلها، وتجب مواجهتها، لأن "النظام العالمي الجديد بصفة عامة، والنظام الاقتصادي العالمي الجديد بصفة خاصة، نظم تقوم على رعاية الدول المتقدمة لتزداد غنى وسيطرة على حساب الدول النامية أو الفقيرة لتزداد فقراً، فهي نظم الأغنياء، فيها منتديات اقتصادية للسيطرة على الفقراء وإذلالهم تحت وطأة الحاجات الأصلية لعيش الإنسان.
وهذه النظم ظاهرها فيه التعاون، وباطنها الاستغلال والاحتكار وأكل أموال الشعوب بالباطل.
ويجب أن نقر أن نظام العولمة الاقتصادية شر يجب الجهاد والتضحية للتقليل من خسائره، فإثمه أكبر من نفعه، ولا يظن أولئك أن هناك علاقة أخوة وحب ومودة وتكامل وتضامن بين الدول التي تسيطر على النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وبين الدول الفقيرة مثل اليمن وفلسطين وبنجلاديش والعراق وليبيا والسودان ومصر ولبنان.. بل الحقد والكراهية والتربص والاستغلال ومحاولة الإذلال" (نعمات أحمد، كيف يواجه العالم الإسلامي أخطار العولمة الاقتصادية، مجلة الاقتصاد الإسلامي، دبي، 1998م، العدد (209)، ص25)، هي الحقيقة، التي أضحت ظاهرة لكل مطلع ومشاهد.
ويشير واقع وكالات الإعلان الأمريكية إلى الهدف الاستعماري للعولمة، "فالأسواق العالمية هي حكر لعدد من وكالات الإعلان الأمريكية التي يبلغ عددها (22) وكالة إعلان من مجموع (25) وكالة دولية.
وهناك (71) دولة من (91) دولة نامية تعتمد إذاعاتها على الإعلانات، كما أن الوكالات الأمريكية تسيطر على ثلثي الشركات الإعلامية في (46) دولة نامية .
ويمكن القول أن هذه الوكالات في اختراقها للدول ومؤسساتها الإعلامية لا تقوم بخلق نموذج ثقافي استهلاكي عالمـي فقط، وإنما تتحدد مخاطرها في تهديدها للثقافات القومية، وقتل التنمية في هذه البلدان النامية." (ياس البياتي، احتلال العقول، د.م، دار الحكمة، 1991م، ص144).
والعولمة ليست لمصلحة الشعوب المتقدمة أيضاً، بل هي لمصلحة فئة مسيطرة فيه، فنحن رأينا المظاهرات في لندن وكوريا وروسيا وغيرهم من دول العالم المتقدمة ضد هذا النظام العالمي الجديد، في عيد العمال العالمي، في: 1/أيار/2001م، وكذلك في عام 2002م، فقد خرج ملايين العمال يطالبون بنظام جديد ينظر إلى مصلحة العامل والفقير.
وهكذا نرى "أن العولمة ليست من أجل مصلحة شعوب العالم بقدر ما هي وسيلة لتحقيق مصالح الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية... وأن هذه القوى لا تنظر إلى الآخرين إلا من خلال استمرارية مصالحها وهيمنتها عليهم.
ويرون أيضاً أن مسألة العولمة لا تنحصر فقط على تعميم النموذج الغربي على العالم، بل هدفها الرئيس تشكيك أمم الحضارات العريقة في حضاراتها ونفسها وعقائدها، وتغريب إنسانها في أفكاره ومناهج تعليمه، بل في طراز عمارته وأسلوب حياته.. بل في طعامه وشرابه عن طريق انتشار مطاعمها وألوان الطعام الخاصة بها.
وتتساءل المفكرة والكاتبة (نعمات أحمد): كيف يقنعنا الغرب برغبته في التعاون والتكامل معنا من خلال ما يطرحه علينا من أفكار وفلسفات ونظم، وهو يترصد للإسلام ويتهجم عليه، ويلصق به تهم الإرهاب والتطرف؟ كيف نتعامل مع هؤلاء ونقتنع بما يعرضونه علينا، وهم يمولون ويدفعون لكل من يثير القلق، وينفذ عمليات الإرهاب داخل أقطارنا العربية والإسلامية؟ كيف نقتنع بحسن نواياهـم، وهم يشجعون إسرائيل على العدوان واغتصاب الحقوق والاستهانة بالعرب وحقوقهم في استرداد أراضيهم المغتصبة؟." (نعمات أحمد، كيف يواجه العالم الإسلامي أخطار العولمة الاقتصادية، مجلة الاقتصاد الإسلامي، (مرجع سابق)، العدد (209)، ص23).
ويحدد بعض الخبراء معنى العولمة بشكل أدق، ويرى أنها تعني الأمركة، "فالأمريكي (توم فريدمان) يقول: (نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، العولمة هي الأمركة، والولايات المتحدة الأمريكية قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطيرة، وأولئك الذين يخشوننا على حق، إن صندوق النقد الدولي قطة أليفة بالمقارنة مع العولمة، في الماضي كان الكبير يأكل الصغير، أما الآن فالسريع يأكل البطيء).
وهذا القول لا يقدّم إلا بعض الحقيقة، فوراء هذه القوة الخطرة برامج أكثر خطورة، قد يؤدي تحقيق أهدافها في النهاية إلى المس بجوهر الإنسان، ومقومات المناخ من حوله.
والوطن العربي حيال هذه التكتلات الكبيرة والأوضاع الخطيرة الضاغطة، ممزق وضعيف وفقير، يسهل اصطياد أقطاره وإخضاعها، والتحكم بمساحات اقتصاده تحكماً مباشراً، ولاسيما ثرواته الرئيسة كالنفط، ويزيده بعض أهله إفقاراً وضعفاً بضخ الأموال منه، وإيداعها في الغرب خاصة، واستثمارها بما يقوي عدوهم أحياناً." (علي عقلة عرسان، العولمة والثقافة، مجلة الفكر السياسي، دمشق، العددان (4و5)، شتاء 1998/1999م، ص221).