النبي صلى الله عليه وسلم أعظم رجل إعلام
نحن هنا لا نمح عن رسولنا صلى الله عليه وسلم صفة النبوة والرسالة، إذ هي الصفة الأولى التي وصفه الله بها، ولكننا نلقي نظرة سريعة على حياته صلى الله عليه وسلم متناولين المسألة الإعلامية، وناظرين إليه كشخصية إعلامية، كما تناول غيرنا شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم كرجل حرب أو رجل سياسة أو رجل قضاء أو غير ذلك، وهذا مما يميز هذا الإنسان العظيم الذي كمله الله وفضله على سائر البشر.
فإن الناظر إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم يفاجأ بما فيها من مزايا إعلامية، ويستغرب من كثرة الوسائل التي استخدمها في سبيل نشر دعوته، ويعجب بنجاحه الإعلامي الذي ما انهزم أبداً في معركة من المعارك.
ويرى الدارس تفوقه على من حوله تفوقاً واضحاً بيناً، وذلك مع ذكاء أعدائه وممارستهم في ميدان الحروب المعنوية والمادية، فالفارق شاسع كبير، كما بين السماء والأرض.
لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم مستكملاً للصفات التي لا غنى عنها في إنجاح كل رسالة عظيمة من رسالات التاريخ، فقد كانت له فصاحة اللسان واللغة، وكانت له القدرة على تأليف القلوب وجمع الشّقّة، وكانت له قوة الإيمان بدعوته وغيرته البالغة على نجاحها.
وهذه الصفات للرسول صلى الله عليه وسلم هي التي عليها المدار في تبليغ الرسالة.
"ولـن نكون مبالغين في القول إذا اعتقدنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إلى جانب القوى الروحية التي اختصه الله بها عبقرياً إعلامياً، يتضاءل بجانبه جهابذة الإعلام منذ بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
اكتشف أهمية الإعلام لنشر دعوته، ومارس العمل الإعلامي بفنونه المختلفة، وأعد له الخطط العلمية الدقيقة بصورة أذهلت الخبراء والضاربين في حقل الاتصال بالجماهير، ونهج في دعوته منهجاً إعلامياً خاصاً، ووضع لهذه الدعوة أصولاً تحوي من الأفكار ما هي بمثابة كنوز لم يكشف النقاب عنها حتى الآن بشكل كاف". (محي الدين عبد الحليم، الإعلام الإسلامي وتطبيقاته العملية، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1984، ص148).
إن الله سبحانه أعد نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إعداداً يتناسب مع شرف وعظمة الرسالة التي كلفـه بها وحمـله إياها، والرسالة قدرها جليل عال، وإبلاغها يتطلب جهداً غير عادي، فقد هيأ الله عز وجل لها من يتحملها، ومن هو أهل لإبلاغها، ومن هو أهل لأن يكون أسوة حسنة، وقدوة صالحة، ليس فقط لأهل مكة، وليس فقط لأصحابه وفي حياته، وإنما للبشرية كلها في كل زمان وكل مكان.
وبذلك فقد أهّل الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام تأهيلاً يتناسب مع هذه الرسالة العظيمة، فزوَّده من قبل بصفات اتصف بها في طفولته، وفي صباه، وفي شبابه قبل بعثته، وكانت بمثابة عوامل جذب الانتباه، ولفت الأنظار إليه، لتكون شاهدة له إذا ما جهر بدعوته، وبلغ رسالته، وقد شهد له بذلك الرهبان والكهان وأهل الكتب والباحثون في الأديان السابقة.
لقد نشأ صلى الله عليه وسلم في بيئة وثنية عابدة للأصنام، وتربى في هذا المجتمع، ومع ذلك تفرد عنـه، فلم يكن مثله، لأن الله عز وجل أعده بصفات أخرى منذ نشأته، من طفولته إلى شبـابه إلى رجولته، فلم يؤذ أحداً، ولم يسجد لصنم، ولم يشرب الخمر، ولم يتمتع بامرأة لا تحل له.
وإليك أخي القارئ هذه النظرة الإعلامية السريعة على مراحل حياته صلى الله عليه وسلم:
أولاً: الإعداد للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
لقد أعده الله عز وجل قبل البعثة بصفات أهمها:
1_ رجاحة العقل: أعده الله بأهم صفة يجب أن يتحلى ويتزود بها رجل الإعلام القدير، وهي رجاحة العقل، تشهد بذلك الآيات القرآنية التي نزلت في بداية النزول: (ن والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون، وإن لك لأجراً غير ممنون) [سورة القلم، الآيات: 1- 3]
2_ حسن الخلق: كان صلى الله عليه وسلم حسَن الخلق، ليِّن الجانب، حلو الحديث، حيث شهد له بذلك أعداؤه وأصحابه وكل من عرفه ورآه أو خالطه من البشر، وحيث وصفه ربه سبحانه بذلك في كثير من مواضع القرآن الكريم (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) [سورة آل عمران، الآية: 159] ،(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) [سورة التوبة، الآية: 128].
وصبر النبي صلى الله عليه وسلم على الأذى طول ثلاثة عشر عاماً في مكة، مع أنه من أشرافها وسادتها، ومع ما كان يلقى من حماية عمه أبي طالب والحمزة وبني هاشم جميعاً له، ومع رؤيته لما يلقى أصحابه من ألوان العذاب، ومع ثقته أنه على الحق، وأعداؤه على الباطل، كل ذلك يدل على حسن خلق أصيل نشأ وتربى عليه، وأعدَّه الله به منذ صباه ليكون سلاحاً له في معركة نشر الدعوة والإعلام بدين الله.
حتى بلغ أنه كان رجلاً أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم حسباً، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنِّس الرجال تنزهاً وتكرماً، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين لما جمع الله به من الأمور الصالحة، ووصفه بذلك رب العزة سبحانه فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) [سورة القلم، الآية: 4]، وهذا تنويه بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وهناك آية أيضاً نزلت في أواسط العهد المكي تضمنت حكمة الله في اصطفاء رسله، وتخص النبي صلى الله عليه وسلم في الدرجة الأولى: (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ). [سورة الأنعام، الآية: 124].
3_ الصدق والأمانة: كان صلى الله عليه وسلم يُعرف في قومه قبل البعثة بالصادق الأمين، وقد لازمت هاتان الصفتان محمداً صلى الله عليه وسلم منذ حداثة سنه إلى شبابه وإلى رجولته وإلى وفاته.
لذلك عاملته خديجة في تجارتها لما عرفت به من الأمانة، ويظهر ذلك أيضاً من خلال قول قومه له عندما جمعهم على الصفا، وقال: ((أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي!؟ فقالوا: نعم، ما جربنا عليك كذباً قط)).
4_ الشجاعة: إن هذه الصفات السابقة لا تؤدي الغرض منها إذا لم يتصف صاحبها بالشجاعة، كما أنه لا يتأتّى له أن يؤدِّي رسالته على الوجه الأكمل والأفضل.
وإذا كانت أي رسالة تحتاج إلى شجاعة، فرسالته صلى الله عليه وسلم تحتاج إلى الشجاعة أكثر من غيرها، وقد عُرف صلى الله عليه وسلم بالشجاعة، منذ حداثة سنه، فصار من يتصدى له يفكر في شجاعته قبل إقدامه.
5_ نسبه وأصالته: نسبه صلى الله عليه وسلم لا يخفى، فهو ابن عبد الله بن عبد المطلب، ونسب عبد المطلب معروف في كتب السيرة أنه متصل بأبي الأنبياء إبراهيم، فهو خيار من خيار.